رحل الشتاء ، فصل الأمطار والرياح ، وحمل معه البرد القارس والزمهرير . وحل محله فصل الربيع بجوه البديع وطقسه الفئان .السماء صافية كعين الطفل الرضيع ، والشمس تطل ضاحكة ترسل خيوطها الذهبية على الكون فتملأه دفئا . والنسيم عليل والبستان وكر فراش ونحل طنان وطيور مغردة . و الأرض زربية متناسقة الأشكال والألوان يتوسطها نهر فضي يلمع تحت أشعة الشمس !.
خرجت خديجة إلى البستان الجميل لتروح عن نفسها ولتتمتع بجمال الضيف الجديد ، وحملت معها قصة مشوقة تطالعها تحت ظل شجرة .
وصلت البنية متلهفة و متشوقة لرؤية جمال الطبيعة فأبهرها ما رأت من مناظر ساحرة , كانت تجلس تارة بين أكوام الورد والزهور وتارة أخرى تركض ضاحكة وراء سرب الفراش المزركش وهي تردد بسعادة :
" ما أجمل الطبيعة ! " وحين تشعر بالتعب تركن إلى شجرة ظليلة تطلب الراحة وتستمع إلى زقزقة العصافير . وفجأة حطت عصفورة حمراء ساحرة بالقرب منها على غصن شجرة اللوز المزهرة ، فاقتربت خديجة رويدا رويدا لتمسك بها ، لكن العصفورة طارت فانطلقت البنية تعدو وراءها في تحد .
كانت العصفورة أسرع من البنية فأخذت تتنقل من غصن إلى آخر دون كلل ولا ملل وهي تقول ساخرة : " هيا أمسكى بي يا خديجة ! " .
خديجة الفتاة العنيدة ظلت تركض وراء العصفورة بدون توقف وهي تردد : " سأمسكك أيتها العصفورة المشاكسة لقد سحرني جمالك " .
و ظلت تركض من مكان لآخر و فجأة تعثرت ساقها في جذع شجرة ناتئة فسقطت أرضا . أحست بألم في ساقها و بدأت تبكي الى أن غلبها النعاس فنامت متوسّدة كتابها .
رأت خديجة العصفورة الحمراء تعاتبها : " لماذا تريدين صيدي يا خديجة ؟ ألا يكفي أنكم يا بني آدم قد أفسدتم علينا أوطاننا فدمرتم الأراضي و قتلتم الحيوانات البريئة ؟ لماذا تطاردوننا في أوكارنا ؟ " ذهلت خديجة عندما سمعت قول العصفورة لكنها تشجعت و قالت : " أنا أريد وضعك في قفص ذهبي . سأقدم لك الطعام اللذيذ و الماء الزلال و اعتني بك جيدا .ستصبحين صديقتي ، ألا يعجبك ذلك ؟
قالت العصفورة : بل ستحبسينني في زنزانة تزينين بها غرفتك و ستحرمينني من عـائلتي وأصدقائي ؟ هل هذا الأمر سيجعلك سعيدة ؟
تألمت خديجة وسقطت دمعة من عينها و فكرت في الاعتذار من العصفورة . مسحت دموعها و رفعت رأسها لتخاطب العصفورة فلم تجدها فصرخت : يا حمراء أين أنت ؟ ... و راحت تردد : أين ذهبت يا حمراء ؟ "
أفاقت خديجة من نومها مذعورة ، لم تر العصفورة فقالت : " لن أضايق الحيوانات بعد الآن " ثم تحاملت على نفسها وعادت إلى منزلها منهوكة القوى و لكنها تعلمت درسا لا ينسى .